
بقلم : أسامة صالح
تشهد العاصمة السودانية الخرطوم مؤخرًا سلسلة من الزيارات الميدانية التي يقوم بها عدد من المسؤولين في الحكومة الانتقالية، وعلى رأسهم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس الوزراء، ورئيس اللجنة العليا لإعادة الحياة إلى الخرطوم. وتُعد هذه التحركات مؤشرات واضحة على اقتراب عودة السلطة التنفيذية إلى العاصمة، بعد غياب دام أكثر من عامين بسبب الحرب والصراع الذي أدى إلى تهجير مؤسسات الدولة ونزوح عدد كبير من المواطنين.
وتأتي هذه الزيارات ضمن جهود الحكومة لإرسال رسائل تطمين إلى المواطنين، والترويج لمبادرات العودة الطوعية، التي تهدف إلى استعادة الحياة الطبيعية تدريجيًا في المدينة المنكوبة. غير أن هذه الخطوات، رغم رمزيتها، تظل غير كافية في ظل التدهور الأمني المتواصل وانتشار السلاح بشكل مقلق في أيدي العصابات والمجموعات الإجرامية.
جريمة النهب المسلح التي تعرض لها أحد تجار الذهب في سوق أم درمان، لم تكن سوى واحدة من سلسلة الجرائم التي تصاعدت وتيرتها بعد الحرب، وتُظهر مدى التنظيم الذي باتت تعتمده هذه العصابات، في ظل غياب الردع القانوني والأمني المناسب. فبقاء السلاح دون رقابة أو تنظيم يُعد تهديدًا مباشرًا لأي جهود لإعادة الأمن والاستقرار.
ولضمان نجاح مبادرات العودة وإعادة الحياة، لا بد من تحرك حاسم يبدأ بتشكيل لجنة عليا لجمع السلاح من المواطنين، وسن قوانين صارمة تجرم حيازة السلاح دون ترخيص، تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد، إلى جانب سن قانون خاص لردع جرائم النهب المسلح، وتفعيل محاكمات ناجزة لاستئصال هذه الآفة من جذورها.
كما تقتضي الضرورة منح الشرطة وجهاز الأمن الوطني صلاحيات واسعة لمواجهة هذه التهديدات، وتوفير الدعم الكامل لهما من الدولة، حتى لا تتحول المدن السودانية إلى ساحات للفوضى تحكمها شريعة الغاب، ويضطر المواطنون لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم.
المسؤولية الآن تقع على عاتق وزير العدل، الذي يتعين عليه الدفع بقانون استثنائي يتجاوز البيروقراطية المعتادة، ويتعامل مع هذه المرحلة بقوانين طوارئ حازمة، لأن أمن المواطن ليس موضوعًا للتأجيل أو التهاون، بل هو أولوية مطلقة.
إن نجاح الحكومة في فرض هيبة الدولة، وتأمين العاصمة، هو المدخل الحقيقي لتحفيز العودة الطوعية، وطمأنة المواطنين، وإعادة بناء ما دمرته الحرب، وإلا فإن غياب الحسم سيفتح الباب واسعًا أمام الفوضى والانفلات











