كتبت: سمية معاشي- الجزائر
أصبحت تكاليف العلاج في الجزائر عبئًا ثقيلًا يفوق قدرة المواطن البسيط، في مشهد يتسم بالفوضى والتسيب الأخلاقي والمادي. بلغت تكلفة المعاينة الطبية العادية لدى بعض الأطباء ما يقارب المليون سنتيم، أما الفحوصات بالأشعة فقد تجاوزت في بعض الأحيان مليونًا ونصف المليون، دون مبرر واضح، ودون أن يقابلها تحسن نوعي في الخدمة الصحية المقدمة.
الأدهى من ذلك، أن طبيبة عيون لا تتردد في طلب مبلغ 8000 دج مقابل فحص بسيط لا يتجاوز بضع دقائق. أما “الاستشارة الطبية” التي لا تتعدى سؤال المريض عن حالته، فصارت تُكلّف 2500 دج في المقابل، ليُمنح المريض ورقة دواء مطبوعة، لا أكثر.
هنا، لا بد من وقفة حقيقية وصريحة مع هذه الظاهرة الخطيرة، التي تُفرغ مهنة الطب من بعدها الإنساني والأخلاقي. فأن يتحول الطبيب، الذي من المفترض أن يكون ملاذًا للمريض، إلى أداة استنزاف مالي، هو أمر معيب ومرفوض جملة وتفصيلًا.
أكثر ما يثير السخط، أن طبيب الأسنان، الذي من المفترض أن يقدم خدمة علاجية ضرورية، بات يطلب أرقامًا خيالية – تصل إلى 4000 دج أو أكثر – مقابل حشو سن أو مجرد تدخل بسيط، غير مكلف من حيث المواد أو الوقت.
إن ما نعيشه اليوم ليس سوى حالة من الابتزاز الممنهج تحت غطاء “الطب الحر”، في غياب واضح لأي رقابة حقيقية من وزارة الصحة، وتراخٍ فاضح في وضع تسعيرة موحدة أو سقف مالي مناسب للعلاج، يكفل العدالة الصحية لكافة شرائح المجتمع.
من هنا، نوجه نداءً عاجلًا إلى وزارة الصحة والهيئات الوصية: ضعوا حدًا لهذا الانفلات. نطالب بتقنين أسعار المعاينات والعلاج، وإلزام الأطباء بتسعيرة عادلة، موحدة، إنسانية، قابلة للتحمل من قبل المواطن البسيط. فصحة الناس ليست سلعة، وكرامة المريض لا تُقايض بثمن.
لقد حان الوقت لفتح نقاش وطني واسع حول أخلاقيات المهنة الطبية في الجزائر، وضرورة استرجاع ثقة المواطن في الطبيب كمصدر أمان، لا كمصدر استنزاف.