
الأتربة على أسطح وقباب قرية الفخارين بالفسطاط. تلك الأتربة الآتية من أعمال التطوير الجارية بالمنطقة القديمة باتت تحمل معها قلقًا وتهديدًا للموجودين بالقرية، وعلى رأسهم مدرسة عابدين، الأقدم والأهم بهذا المكان.
فقبل أيام، تلقت مدرسة عابدين، كما أعلنت، قراراً شفهيًا بإخلاء المبني الرئيسي للمدرسة والورشة بجانب مركز درب 1718 الثقافي المجاور لها بهدف توسيع الشارع المؤدي إلى متحف الحضارة. ولم يصحب ذلك قرار رسمي – حتى الآن
ولكن الانتظار ربما يكون أسوأ. فهو يربك محمد عابدين (مالك المدرسة). فهذه الأيام، خَفض الرجل العمالة، كما رفض طلبات بكميات ضخمة لعدم ضمانه الالتزام بها. وبالنسبة له، فالأكثر مرارة من كل ذلك، هو أن سيرة عائلته التي تعمل في هذه الصناعة منذ نحو مائة عام سوف تنتهي. فيقول إن “الأمر كله بمثابة صدمة”.
قبل أكثر من شهرين– بدأ أول أنباء احتمالية هدم جزء من قرية الفخارين يصل إلى مسامع محمد عابدين. لكنه لم يصدقه، فالكوبري الجديد بعيد عنهم. إذن، فلا شواهد على ذلك، ولا كلام واضحاً، كما يرى.أما الآن – ووسط الغبار المختلط بدرجات الحرارة المرتفعة، وأصوات الدق والحفر حوله، يجلس “محمد” (47 سنة) ليفكر فيما لم يكن يتوقعه، ويتذكر معه الضربة الأولى القاسمة للعائلة عام 1999، والتي يخشى أن تتكرر مرة أخرى.كان “محمد” شابًا تخرج حديثًا من كلية التجارة، حين وجد قوات الأمن تحاصر القرية و”البلدوزرات” تتحرك لتزيل مباني وورشًا في مكان القرية الحالي، بما فيها ما يخص عائلته. ذلك بعد قرار المحافظة بنقلهم، حيث منطقة “شق الثعبان”، بهدف تطوير منطقة الفسطاط والحد من التلوث الناتج عن حرق الفخار بالأفران البدائية.لكن عائلة “عابدين” أبت ألا تُنتزع من مكانها الذي سكنته وعملت به، فاستأجرت محال بالمنطقة نفسها.
لم يكن ذلك الانتقال الأول للعاملين بصناعة الفخار القديمة، حيث بدأ محمود عابدين (والد محمد وشيخ الفخارين) من منطقة محيط جامع عمرو بن العاص في السبعينات، لكن جميع تحركاتهم لم تتخطِّ حدود منطقة الفسطاط.لذا نشرت مجلة المصور تقريرًا في 19 مارس عام 1999 بعنوان “فواخير الفسطاط يهددها شبح الانقراض”، تحدثت عن هاجس الخوف والقلق لنحو ألفي عامل من ضياع المهنة إذا تم نقلها من منطقتها.الخوف نفسه يتجدد الآن عند الجيل الجديد بمجرد أن سمعوا كلمات رئيس الحي الموجهة لمسؤولي مدرسة عابدين ومركز درب 1718 الثقافي عند زيارته الأخيرة لهم: “سنحتاج إزالة الأماكن الثلاثة لتوسعة الطريق”، دون أن يعطيهم تفاصيل أكثر أو سيناريوهات بديلة للتعويض، وفقًا لمحمد عابدين.











