
كتبت: سمية معاشي
معالي الوزير الدكتور محي الدين عميمور هو جزائري حر صنع التاريخ بجهده ونضاله. يُعد واحدًا من الشخصيات الوطنية التي شهدت تطور الجزائر منذ حقبة الاستعمار الفرنسي إلى مرحلة الاستقلال وما تلاها من تحولات هامة في مسار الدولة. وُلد في ولاية “ميلة” شرق الجزائر في القرن الماضي، ومنذ صغره حمل في قلبه هموم وطنه، وتربى في أسرة مجاهدة ناضلت ضد الاحتلال الفرنسي، ليحمل راية الكفاح بعد الاستقلال.
كان أول طبيب جزائري يتخرج من المشرق العربي، تحديدًا من جامعة عين شمس في القاهرة. لم يكن محي الدين عميمور مجرد طبيب، بل كان ناشطًا سياسيًا ومجاهدًا شارك في تأسيس البعثة الجزائرية الحرة في القاهرة. وقد برزت ملامح شخصيته متعددة الأبعاد منذ شبابه حيث تولى مهام مختلفة كان لها تأثير بالغ في مسار الثورة الجزائرية.
في عام 1957، لم يتردد في قطع دراسته الطبية ليُلبي نداء الوطن ويلتحق بجيش التحرير الوطني تحت إمرة العقيد أوعمران. وهناك قام بدور هام في إدارة الشؤون الطبية والاجتماعية في القاهرة، قبل أن يعود لاستكمال دراسته الطبية في عام 1963 بعد الاستقلال.
بعد استقلال الجزائر، تولى عميمور إدارة الشؤون الطبية للقوات البحرية الجزائرية، ليكون أول طبيب جزائري في هذا القطاع، مؤسسًا بذلك أول محافظة سياسية في هذا المجال. لكن مسيرته المهنية لم تقتصر على الطب فقط، فقد اشتهر بدوره الإعلامي، حيث بدأ الكتابة في مجلة الجيش منذ أواخر الستينيات. كما كانت رسومه الكاريكاتيرية الأولى التي شهدتها الصحافة العربية في الجزائر.
محي الدين عميمور، الذي ترك بصمة واضحة في شتى المجالات، اختاره الرئيس الراحل هواري بومدين مستشارًا إعلاميًا له في عام 1971، ليوقف ممارسة مهنته الطبية ويتفرغ للعمل السياسي والإعلامي. رافق الرئيس بومدين في جميع تحركاته الداخلية والخارجية، حتى وفاة الرئيس في عام 1978، ليكمل بعدها المسؤولية الإعلامية إلى جانب الرئيس رابح بيطاط خلال الفترة الانتقالية التي انتهت بانتخاب الرئيس الشاذلي بن جديد.
ولم يتوقف دوره عند هذا الحد، بل استمر عميمور في خدمة الجزائر بطرق مختلفة. فقد شغل منصب سفير الجزائر في باكستان في أواخر الثمانينيات، حيث نجح في استعادة مكانة الجزائر في المنطقة. كما تولى العديد من المناصب الأخرى التي أكسبته مكانة مرموقة في الساحة السياسية والإعلامية الجزائرية والعربية.
في الحياة الثقافية والفكرية، كان عميمور صاحب قلم متميز، نشر العديد من الكتب والمقالات التي نقلت جزءًا من تجربته الطويلة وذكرياته مع الرئيس بومدين، وقدم من خلالها تحليلات سياسية عميقة تلامس الواقع الجزائري والعربي.
اليوم، يُعد الدكتور محي الدين عميمور من أبرز الشخصيات التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ الجزائر المعاصر. فقد كان عنوانًا للنضال والتضحية من أجل الجزائر، وقدم نموذجًا في العمل الوطني المخلص في مختلف المجالات من الطب، والسياسة، والإعلام، والثقافة. ومع كل إنجازاته، تبقى الجزائر مدينة لهذا الرجل الذي خدم وطنه بكل تفانٍ ووفاء.











